جاءني على البريد رسالة من صديق يبدو من مغزاها أنّه ينبش أعماقي ليعرف رؤيتي لأسامة بن لادن، المجاهد المغوار في عيون البعض – للأسف –، و المخرّب الإجرامي في رأي البعض، بل و العميل الأميركي في نظر البعض الآخر.
بعيدا عن الحكم على موقف أسامة و بعيدا عن تحديد مع أيّ معسكر يقف: سواء كان حقا من المتطرفين أو حتى إن كان مؤدّي للأدوار التي يبغي الأميركان من وراءها إحداث بلبلة و ذعرعالميين لكي يفتحا لهم طريقا مفروشا بالورود ليعيثوا في الأرض فسادا و نهبا و تخريبا؛ فأنا أؤمن بأن أسامة ما هو إلا مخرّب و مفسد في الأرض سواء كان متطرّفا خالصا أو متطرفا بصبغة صهيونية ماسونية – فأنا أرفض نعت أولئك الذين أقصدهم بالأميركان لأنّ في هذا ظلما لشعب بأكمله منه الصالح و منه الطالح: فقد يكونوا الصهاينة و أعوانهم، و قد يكونوا الماسونيون و أعوانهم، و قد يكون إتحاد محور الشرّ المتخفي: الصهاينة و الماسونيون و أعوانهما من أصحاب المصالح الذين لا يقف في وجههم قيم و لا أخلاق قد تمنعهم من بلوغ أهدافهم .. (أميل إلى الرأي الأخير لأنه ببساطة أكثرهم توافقا مع معطيات الأحداث على الساحة الدولية).
أما عن تلك الرسالة التي جاءتني فكان بها ما يشبه نصّ نثري تساؤلي تعجّبي مصبوغا بلون من لوم النفس و إحتقارها، و مظهرا ذلك الأسامة بأنّه البطل المصلح الذي لم تلد مثله أمتنا في هذا الزمان! و في نفس الوقت ينتقد كاتبها الذي لا أعرفه إكتفاءنا بالقبوع في منازلنا هانئين بينما أخوتنا في الدين يلقون أشدّ ألوان العذاب و التذبيح في شتى بقاع الأرض.
أثار غضبي تبجيل أسامة رغم إتفاقي مع نقد صمتنا المطبق تجاه حقوق أمتنا المسلوبة ... لكن هنا تختلف الوسائل.
فقتل الأبرياء و ترويع الآمنين و إستهداف أرواح النساء و الأطفال و الشيوخ و الرجال الغير مسلحين ليس من الإسلام في شيء .. و لا أؤمن أنّ هذا يرضي باريء الحياة البتة.
و لا أؤمن بأنّ التدمير سيحلّ عقدة و لن يصل بالبشر إلى حلّ أي مشكلة، بل يكون وبالا على الناس، و لن يأتي التدمير إلا بتدمير. دعونا ننظر إلى حالة أسامة و جماعته .. فبماذا عاد علينا جهادهم المزعوم؟ بل دعنا نسأل بماذا عاد على البشرية جمعاء؟ لا شيء إلا قتلا و تقتيلا و تدميرا و ترويعا و حتى أنهم قلبوا الموازين العالمية و سمحوا بإطلاق وحوش لا ترحم تغزو بلاد المسلمين بحجّة محاربة التطرف و التخريب، و الواقع ظاهر لأعين الناظرين أنّ المسألة ما هي إلا خطة مرتبة مسبقا لنهب الثروات و سلب الأمصار. و لا أحد يعترض، فمن يعترض يردّ عليه بأنظر إلى أفعال أسامة و أعوانه!
أما عن الجهاد فكيف يقتنع العقلاء بمفهوم أسامة الأخرق للجهاد الذي شرعه الله؟ هل يرضي الله أن يُفعل بخلقه ما يفعله أسامة؟ هل تتفق أفعال أسامة من ما تمليه الشريعة الإسلامية من أنّ محمداً عليه الصلاة و السلام قد أرسل رحمة للعالمين؟ هل تقول شريعة القرآن الكريم بأن يضرب المدنيين في ديارهم؟ يقول ربنا في القرآن الذي يتشدّق أسامة بإتباع هديه أن ? من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ?، فأين هذا الأسامة من ذلك؟ فهو لا يحارب محاربين و لا يستهدف مقاتلين؛ بل يقتل أنفسا لا علاقة لها بالقتال.
كتبت إرتجاليا بيوتا شعرية تكاد تكون نثرية لأردّ بهم على محتوى تلك الرسالة مع علمي أنّ هذا الردّ لن يصل لكاتب النصّ النثري، لكنّه قد يقلل من إمتعاضي على الأقل ... فهو قد عنوَن نصه بركاكة لغوية واضحة: "رسالة من أخ إلى كل واحد مسئول عن رأيه"، و لذلك إرتأيت أن أسمّي ردّي البسيط: "رد من مسئول عن رأيه إلى الأخ"، و فيه أقول:
و هل يا أسامة الجهاد هو ترويع الآمنين؟
أو سلب أرواح العزّل الغير مسلحين؟
فلتنظر ماذا فعلت بهذا الدين؟
أعطيت الذريعة ليفترسه سكان الجحيم
تسفك باسم الدين دماءالأبرياء من الآدميين
فإن كان هذا جهادك؛ فبئس من أفهمك معنى الدين
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment