Saturday, September 15, 2007

قصاقيص صائم.. الصيام إصلاح

تتناثر دعوات الإصلاح حولنا في هذا العصر، تناثر الأتربة في الهواء.. فكلما تلفت المرء حوله وجد دعوة جديدة للإصلاح.. فمن الإصلاح السياسي للإجتماعي إلى إصلاح الخطاب الديني... ولكن هل تنبه أحدنا من قبل إلى أننا نعيش أياما تحمل لنا في طياتها شعيرة هدفها الإصلاح أيضا؟!

إن أول ما ترمي إليه فريضة الصيام هو تقويم المرء وإصلاح نفسه وبدنه.. وهو ما يمكن أن نسمّيه زاعمين بالإصلاح الفردي، الذي إن قام به كل فرد في المجتمع كما ينبغي، إنصلح حال المجتمع ككل.. باعتبار أن المجتمعات أشبه بجدر طوبها هو أفرادها، فإن انصلح حال أفرادها، انصلح حال الجماعة كلها.. وانتصب الجدار قائما.

ورغم مرور الأحقاب والأزمنة على مجتمعاتنا... وتعاقب شهور الصوم واحدا تلو الآخر.. قد يتساءل أحدهم قائلا: إن كان الصوم شعيرة هدفها الإصلاح حقا، فأين هو من واقع مجتمعاتنا المؤلم، التي ينهار حالها من سيء إلى أسوأ؟
لإحقاق الحق، ودحض الباطل، ولنصرة المظلوم ومحق الظالم... يجب علينا أن نعفي الصوم من أن يزج به في سؤال كهذا.
لأننا إن تابعنا الأمر وما سرى عليه، والأحوال وما جرت عليه؛ لوجدنا أن ما تمارسه الأغلبية من الناس في شهر رمضان، لهو أقرب إلى حملة شعبية للتجويع الجماعي باتفاق الأغلبية... فالامتناع عن الطعام هو الأساس، وما دون ذلك هو أمور فرعية تختلف أهميتها لدى كل فرد.

وإن نزلت إلى الشارع سائلا البعض عن الهدف من ممارسة شعيرة كهذه؟ لن تخرج الردود عن طاعة الله والرغبة في نيل رضاه، أو مشاركة الفقراء "جوعهم" ومعاناتهم! ففراغ الأمعاء هو المغزى من وراء ذلك، ولا عزاء للصوم في ذلك.

فهل يا ترى فرض الله الصيام على أمة الإسلام، لتجويعها وزيادة مآسيها؟


إصلاح الفرد.. إصلاح للجماعة


لكي لا نقف موقف الجبابرة من الفهم الأعوج الذي ينتهجه العامة في زماننا هذا لفريضة الصيام –كما هو الحال في معظم أمور ديننا-؛ وجب علينا أن نقر بأن افتقارهم الثقافة الدينية السليمة البعيدة عن السطحية، هو حجر الزاوية في المسألة.
وتتداخل هنا العديد من العوامل التي أدت إلى ذلك، أهمّها سطحية مناهج التعليم الرسمية، وبعد وسائل الإعلام المختلفة عن الرسالية، وتقديمها ثقافة ترفيهية بديلا، واختفاء القراءة والمكتبات العامة كقيمة أساسية لا ترفيهية من حياتنا... مما أفرز لنا أجيالا مهمّشة في كل أمور الحياة، دنيوية كانت أو أخروية.

وبالعودة متسائلين عن هدف الصيام.. فهل شرّع الصيام فقط لحرمان النفس من الطيبات التي أحل الله، لمجرد نيل رضاه ودخول الجنة؟!
هل إلهنا إله عنف وتجويع، لا يدخل عباده الجنة إلا إذا نالوا قسطا من العذاب الدنيوي؟ فإن قلنا بذلك فإننا نصادق على أقاويل المشككين في الإسلام..

فعندما يأمرنا الإله بدخول هذا البرنامج التقويمي المسمى صيام رمضان، فهو يهدف بذلك لإصلاح حياتنا، فردا وجماعة، بدنا وروحا، مادة وسلوكا..
وإذا بدأنا بأنفسنا كأفراد.. فإن الأمر يستحق أن يجلس كل منا مجلس الأمين على نفسه، متسائلا، ما ينقصني؟ ماذا يعيبني؟ ما أحتاجه لأصير إلى الأفضل؟

وليراجع كل منا صفاته وأخلاقه، تصرفاته وأفعاله، علاقته مع ربه ومع العباد من حوله، وكأن المؤمن عليه أن يظل متسائلا طيلة شهر الصيام: هل من عوج في ذاتي لأصلحه؟ هل من خلل في أخلاقي لأقومه؟ هل من نقص في صفاتي لأكمله؟

فكما علمونا بأن الصوم يفسد إن ابتلعنا طعاما أو ارتشفنا شرابا.. فلما لا نخرج من ثقافة الأمعاء الفارغة هذه إلى أخرى أكثر عمقا وجدية، ثقافة مختلفة نعلم بها أن الصوم يفسد أيضا إن تعمدنا الكذب والرياء، النميمة والخداع، الغش والإهمال، البذاءة والإكبار.. فالصوم مدرسة روحية وخلقية لا يشق لها غبار، إن دخلناها بروحنا وعقولنا، لا بأفواهنا وأمعائنا.

بهذا الصوم تنهض المجتمعات، وتتبدل أحوالها.. للأفضل.

No comments: