Friday, September 21, 2007

قصاقيص صائم.. الصيام دعوة عالمية

تجتذب الحملات العالمية للتوعية بالتدخين، أو الدفاع عن البيئة، وحقوق كلا من الإنسان والحيوان، ومثلها الكثير من الحملات آلاف المتضامنين من مختلف الأقطار والأجناس، من معتنقي شتى الملل والنحل والديانات، وذلك لبريق الفكرة التي تدعو إليها تلك الحملات، ونبلها في بعض من الأحيان، ودعوتها إلى ما لا يختلف عليه إثنان من ذوي رجاحة العقل والبيان.

ورغم تقديرنا الكامل لكل هذه الحملات التوعوية، إلا أن تأثيرها في البنيان الروحي والفكري للفرد خاصة والمجتمع الدولي عامة لا يتعدى مجرد إبداء التأييد أو التعاطف، سواء بإمضاء على ورق أو تبرع مالي أو وقفة في مظاهرة.. وفي غالب الأحيان لا يضمن مساندة المتعاطفين للفكرة والتزامهم بها على مستوى حياتهم الشخصية ولا سلوكياتهم الاجتماعية.. وبهذا يتحول الأمر في مجمله
إلى صورة من صور التظاهر الإعلامي، الذي لا يتسبب في أي انعكاسات واقعية، ولا إنجازات فعلية، اللهم إلا التفاخر بالحصول على دعم حفنة من الجماهير، من هنا أو هناك.. وإقامة الحفلات والمهرجانات، على شرف الفكرة التي جلبت هذا الإعجاب، ولا عزاء للغرض النبيل ذاته، ولا للمتضررين من وراء إهماله.


يشهد عالمنا هذه الأيام، وفي مثلها من كل عام، تظاهرة عالمية، لا يحتكرها جنس معين، ولا هيئة دولية، بل يحتفي بها جماعة هائلة من البشر، قوامها ما يزيد على المليار ومائتي مليون إنسان، يحملون الهوية ذاتها، رغم اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وبلادهم وثقافاتهم.. يشترك جميعهم في الالتزام ببرنامج حياتي موحد، رغم عدم حصولهم على عضوية اشتراك، ولا تقديمهم دعم معين، ولا إمضاءهم أي من الأوراق... تلك الجماعة المعروفة باسم المسلمين..
الله أكبر شعارهم، والجنة هدف أمامهم، والغرض رضا إلههم، والصراط هو طريقهم.

الإسلام.. ذاك الدين الذي أعلن منذ يومه الأول الحرب على العنصرية والتمايز بين البشر، غير مفرقا بين عربي و لا أعجمي إلا بالتقوى، رافعا الأتربة من على حقوق الإنسان المكدرة، وأعاد للمرأة كرامتها المهدرة، وأحيا النظام في عالم أغرقته الفوضى والصراعات المدمرة.

وشهر رمضان.. شهر يخصه المسلمون بعبادات وشعائر تميزه عن غيره من الشهور، ففي هذا الشهر يصوم الناس عن الشهوات في توقيت موحد، وبنظام محدد.. فلا يجبرهم أحد على فعل ذلك، ولا تصيبهم مصلحة من وراء ذلك، بل إيمانهم العميق هو الرابط، وراعيهم هو الخالق، فلا مظاهر إعلامية تجمعهم، ولا احتفاليات دولية تشحذهم.

عندما ينظر المرء ليجد هذا العدد الهائل من البشر متفقون بلا اتفاق، ومتحدون بلا لقاء، على الاشتراك في هذا البرنامج السلوكي والتقويمي النبيل، فإنه خير دعوة لهذا الدين العظيم، الذي استطاع أن يؤلف قلوب من شتى الأقطار، رغم اختلاف اللغات، وبعد المسافات.. ليصدق قول الحق:
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً..

لقطة


لعمري إنه البؤس كله.. أن نرى أتباع مثل هذا الدين مختلفي القلوب، لا تجمعهم كلمة، ولا توحدهم مظلة، بل الفرقة عنوانهم، والعداوة بينهم.. لتصل المأساة إلى حد الاختلاف في أبسط الأمور، حتى في مواقيت الشهور.. فيبدأ رمضان عند قوم الخميس، وعند آخرين الجمعة، بينما سبقهم البعض في الأربعاء، حتى بين مسلمي البلد الواحد!

ويسألونك عن احترام الآخرين لنا!

Tuesday, September 18, 2007

قصاقيص صائم.. الصيام الاقتصادي

ضمان توافر السلع واستقرار أسعارها

طلب رئاسي بتأمين السلع الأساسية

ياميش بثمانين مليون دولار

تلك عينة من عناوين الصحف الرئيسية على مدار الأسبوعين الماضيين.. وأحسب أن هذا النوع من التصريحات قد يدفع قارئها، إن كان من غير سكان المنطقة، إلى التساؤل عن هذه الحرب المدمرة التي يستعد لها هذا البلد بادخار الزاد، واجراءات الاستعداد وشحذ العتاد!

اللطيف في الأمر أن حالة الطواريء هذه تعلن سنويا، كجزء من مراسم استقبال شهر رمضان، الذي من المفترض أن الاستهلاك الغذائي ينخفض في أيامه إلى النصف، إن لم يكن أقل قليلا.

ولكن ما يحدث في بلاد المسلمين أمر، وما يدعوهم إليه الإسلام أمرا معاكسا تماما؛ فتجد أن معدلات الاستهلاك آخذة في الارتفاع بشكل جنوني بحلول الشهر الكريم، لدرجة أن تصدر حكوماتهم في مثل هذا التوقيت من كل عام، نسخ طبق الأصل من هذه التصريحات الملتهبة، حول مدى الدعم والسند الذي توفره وتقدمه، لملء الأفواه بمختلف أنواع الأطعمة، من لحظة إنطلاق آذان المغرب، وحتى شروق شمس اليوم التالي.. بلا انقطاع.

ورغم تلك المقولات المؤثرة التي نسمعها في كل حين ومكان، وبكل زمان وأوان، حول دوران شعوبنا في فلك الدين، ومدى استمساكهم بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها؛ إلا أن الواقع يأتي لنا بحقائق مغايرة لهذه الشعارات العاطفية، التي نسيت أن تذكر أن دين هذه الشعوب صار هواها، قبل أن يتحقق بالتشريع السماوي هُداها.

فمن القائل بأن رمضان هو عيدا للمائدة؟ بدلا من أن يكون عيدا لترشيد الاستهلاك، وتدريب على بغض الإسراف؟

مرة أخرى.. سطحية تناول الأمور

أجد نفسي عائدا من جديد إلى دائرة السطحية، متهما إياها بالوقوف وراء سقطاتنا، وبأنها استشرت في كل أمور حياتنا.. فكل مناسبة عندنا أصبحت عيدا، وكل عيد له طعامه؛ ولا تخبرني عن الحكمة من الاحتفال بهذه المناسبة، ولا السبب الذي جعل منها مناسبة.. بل إسألني عن طبق الأرز الذي ألصق بعاشوراء، وعرفني بحلوى المولد النبوي، وأرسل لي أطنانا من الفواكه والبقوليات لأتأكد من قدوم شهر الصوم عن الطعام.. الأدهى من ذلك، هو أن طعامنا ليس من نتاج أرضنا، ولا حلوانا من عمل أيدينا.. ولا عجب من عروسة المولد الصينية.. وفانوس رمضان الذي يحمل ختم شنغهاي!

يدفع التأمل في حقيقة مرور شهر الصيام سنويا على أمة المليار ومائتي مليون نسمة، إلى التساؤل عن فوائد ومنافع جمة، انقلبت إلى نقم وأزمات اقتصادية!!
فبدلا من القيام بما يشبه الادخار الجماعي، تصيبنا حالة من الهلع الغذائي، ويزيد استهلاكنا عن المعتاد، بل ونستورد أطنانا من رفاهيات الطعام.. التي عادة لا تجد لها مشتري في غير أيام رمضان!

وإن ضربنا بصلاة التراويح مثالا.. فهي سنّة يمارسها المسلمون بلا تفكر في خواصها.. هل فكر أحدهم من قبل في جدوى هذا البرنامج الصحي الذي يتميز بقلة الطعام وكثرة التكليفات؟ لا حاجة لسماع إجابة لن تأتي أبد الدهر على ما يبدو.


وكما كتب صلاح جاهين في أعماله.. وعجبي!


Saturday, September 15, 2007

قصاقيص صائم.. الصيام إصلاح

تتناثر دعوات الإصلاح حولنا في هذا العصر، تناثر الأتربة في الهواء.. فكلما تلفت المرء حوله وجد دعوة جديدة للإصلاح.. فمن الإصلاح السياسي للإجتماعي إلى إصلاح الخطاب الديني... ولكن هل تنبه أحدنا من قبل إلى أننا نعيش أياما تحمل لنا في طياتها شعيرة هدفها الإصلاح أيضا؟!

إن أول ما ترمي إليه فريضة الصيام هو تقويم المرء وإصلاح نفسه وبدنه.. وهو ما يمكن أن نسمّيه زاعمين بالإصلاح الفردي، الذي إن قام به كل فرد في المجتمع كما ينبغي، إنصلح حال المجتمع ككل.. باعتبار أن المجتمعات أشبه بجدر طوبها هو أفرادها، فإن انصلح حال أفرادها، انصلح حال الجماعة كلها.. وانتصب الجدار قائما.

ورغم مرور الأحقاب والأزمنة على مجتمعاتنا... وتعاقب شهور الصوم واحدا تلو الآخر.. قد يتساءل أحدهم قائلا: إن كان الصوم شعيرة هدفها الإصلاح حقا، فأين هو من واقع مجتمعاتنا المؤلم، التي ينهار حالها من سيء إلى أسوأ؟
لإحقاق الحق، ودحض الباطل، ولنصرة المظلوم ومحق الظالم... يجب علينا أن نعفي الصوم من أن يزج به في سؤال كهذا.
لأننا إن تابعنا الأمر وما سرى عليه، والأحوال وما جرت عليه؛ لوجدنا أن ما تمارسه الأغلبية من الناس في شهر رمضان، لهو أقرب إلى حملة شعبية للتجويع الجماعي باتفاق الأغلبية... فالامتناع عن الطعام هو الأساس، وما دون ذلك هو أمور فرعية تختلف أهميتها لدى كل فرد.

وإن نزلت إلى الشارع سائلا البعض عن الهدف من ممارسة شعيرة كهذه؟ لن تخرج الردود عن طاعة الله والرغبة في نيل رضاه، أو مشاركة الفقراء "جوعهم" ومعاناتهم! ففراغ الأمعاء هو المغزى من وراء ذلك، ولا عزاء للصوم في ذلك.

فهل يا ترى فرض الله الصيام على أمة الإسلام، لتجويعها وزيادة مآسيها؟


إصلاح الفرد.. إصلاح للجماعة


لكي لا نقف موقف الجبابرة من الفهم الأعوج الذي ينتهجه العامة في زماننا هذا لفريضة الصيام –كما هو الحال في معظم أمور ديننا-؛ وجب علينا أن نقر بأن افتقارهم الثقافة الدينية السليمة البعيدة عن السطحية، هو حجر الزاوية في المسألة.
وتتداخل هنا العديد من العوامل التي أدت إلى ذلك، أهمّها سطحية مناهج التعليم الرسمية، وبعد وسائل الإعلام المختلفة عن الرسالية، وتقديمها ثقافة ترفيهية بديلا، واختفاء القراءة والمكتبات العامة كقيمة أساسية لا ترفيهية من حياتنا... مما أفرز لنا أجيالا مهمّشة في كل أمور الحياة، دنيوية كانت أو أخروية.

وبالعودة متسائلين عن هدف الصيام.. فهل شرّع الصيام فقط لحرمان النفس من الطيبات التي أحل الله، لمجرد نيل رضاه ودخول الجنة؟!
هل إلهنا إله عنف وتجويع، لا يدخل عباده الجنة إلا إذا نالوا قسطا من العذاب الدنيوي؟ فإن قلنا بذلك فإننا نصادق على أقاويل المشككين في الإسلام..

فعندما يأمرنا الإله بدخول هذا البرنامج التقويمي المسمى صيام رمضان، فهو يهدف بذلك لإصلاح حياتنا، فردا وجماعة، بدنا وروحا، مادة وسلوكا..
وإذا بدأنا بأنفسنا كأفراد.. فإن الأمر يستحق أن يجلس كل منا مجلس الأمين على نفسه، متسائلا، ما ينقصني؟ ماذا يعيبني؟ ما أحتاجه لأصير إلى الأفضل؟

وليراجع كل منا صفاته وأخلاقه، تصرفاته وأفعاله، علاقته مع ربه ومع العباد من حوله، وكأن المؤمن عليه أن يظل متسائلا طيلة شهر الصيام: هل من عوج في ذاتي لأصلحه؟ هل من خلل في أخلاقي لأقومه؟ هل من نقص في صفاتي لأكمله؟

فكما علمونا بأن الصوم يفسد إن ابتلعنا طعاما أو ارتشفنا شرابا.. فلما لا نخرج من ثقافة الأمعاء الفارغة هذه إلى أخرى أكثر عمقا وجدية، ثقافة مختلفة نعلم بها أن الصوم يفسد أيضا إن تعمدنا الكذب والرياء، النميمة والخداع، الغش والإهمال، البذاءة والإكبار.. فالصوم مدرسة روحية وخلقية لا يشق لها غبار، إن دخلناها بروحنا وعقولنا، لا بأفواهنا وأمعائنا.

بهذا الصوم تنهض المجتمعات، وتتبدل أحوالها.. للأفضل.

Thursday, September 13, 2007

قصاقيص صائم.. ما فات


أطال الله في أعمارنا وأكرمنا ببلوغ شهر رمضان من جديد، الذي ما يلبث أن يطل علينا ببشائره وبركاته، حتى نراه ململما لأيامه، منسحبا من حياتنا سريعا، كما زارنا سريعا.

علامة الاستفهام التي علقت في ذهني، بمجرد دخول أجواء الشهر المبارك، بآداء صلاة التراويح الأولى في ليلة الرؤية، دارت حول عدد الفرص وأبواب الخير المفتحة، التي تعرض على الإنسان طوال حياته على الأرض.. ثم يأتي بعد ذلك متذمرا لضيق الحال، وبعد المنال، وخياب الآمال.


فكم مرة قد مرّ علينا الشهر الكريم مرور الكرام، دون أن نستغل الفرصة السانحة لنا، للنهل من منبع الخيرات هذا، ومهرجان البركات المنزلة، المعروف باسم: رمضان؟.. أحسب أن تساؤلا كهذا سيدفع كل إنسان صادق مع نفسه، أن يعيد النظر فيما فاته، وما انقضى؛ ليراجع ذاته، ويدقق حساباته، ليصحح ما انحرف، ويصلح ما انكسر، ويكمل ما نقص.

من هنا سأحيد لتناول الشهر الكريم من زاوية الاستفادة القصوى من ما يقدمه لنا من فرص، التي لا نعلم هل ستكرر من جديد، أم..


ما فات


خلق الله الإنسان وأودع في عقله الذاكرة، لأغراض عديدة، من بينها: تذكر ما فات، ومقارنته بالآن، لمعرفة ما إذا كان الحال في تحسن وارتفاع، أم تقهقر وارتجاع.


توفر شعيرة الصوم للمؤمن مناخا روحيا ونفسيا يجعل من مهمة الإصلاح والتعديل أيسر مما هي في الظروف العادية.
فالصوم عن الطعام، يضعف البدن وقتيا، ليشتد عوده دائما، فيصبح أقوى على مقاومة المغريات المختلفة والمتنوعة، التي يزخر بها عالمنا طوال أيام العام، لا في خلال رمضان فقط.

وصوم النفس عن الزلات، يضيّق عليها، وينشط ضميرها، ويوقظ همتها، لمجابهة الصعاب، واستقبال التحديات، بقدرة أعلى على السيطرة، وجلد أعلى للمثابرة.

المؤمن الفطن، هو من ينتهز فرصة ضعف بدنه المؤقت، وضيق نفسه، ليعيد ترتيب البيت من الداخل.. فكما يطرق الحديد وهو ساخن للينه، فيسهل تشكيله.. يدرب المؤمن بدنه ونفسه في أوقات الصوم، وهما في حالة ضعف ولين، نتيجة لصيامهما، والتضييق عليهما، فيسهل تشكيلهما من جديد، كما يشكل الحديد وهو ليّن.

فلنتذكر ما فاتنا من فرص، لنعرف قيمة الفرصة التي بين أيدينا.. ونعمل لنيلها كما ينبغي.
لنتذكر ما فات من أعمالنا.. لنندم ونتوب على ما أخطأنا فيه.. ونكمل ما وجدنا أننا قد أحسنا فيه.
بتذكر ما فاتنا.. سنقارن أحوالنا، لنرى رسما بيانيا لإيماننا، فهل هو مزدهر في صعود؟.. أم هو منحدر إلى الهاوية.

ومع تذكر ما انقضى.. علينا أن نفكر؛ ما سنصلح في ذواتنا؟ وما سنكمل في صفاتنا؟ وليكن هذا عنوان جديد، في يوم جديد، بمشيئة الرحمن.